الريح العقيم (الجزء الخامس)

                          الريح العقيم 

                         رواية  

                       محمد حمودة زلوم 

                          الجزء الخامس

خرج جابر من بيت الطبيب، وفي رأسه تدور أفكار شتى، ووجه نادية المشرق وعيناها الساحرتان شيء لا يقاوم.

حاول أن يطرد الأفكار من رأسه لكن بدون جدوى... نادية وحديثها لا يزالان يسيطران على تفكيره.

نام في تلك الليلة وطيف نادية لا يزال ماثلاً في مخيلته.

في المساء كان الطبيب طلال أسعد في مكتب جابر قال:

-جئت استفسر عن غياب صدقي عن العيادة اليوم، أرجو أن يكون المانع خيراً

قال جابر معتذراً:

-الحقّ عليّ لقد نسيت فقد أخبرني أنه تغيب اليوم لذهابه لتأجيل خدمة العلم.

قال طلال:

-إذا كان ذلك.... بسيطة كنت أظن أن مكروهاً حصل له.

قال جابر:

-بارك الله فيك

لم يكن مجيء الطبيب طلال أسعد إلى مكتب جابر هو السبب صدقي ولكنه كان يخطط ليقوم جابر ببناء بيت له، منزل يليق بطبيب.

قال طلال وقد تصنع الشرود والحرج فقال:

-والله لا أدري ماذا أقول لك؟

قال جابر يحثه على الحديث:

-تكلم يا رجل، نحن أهل

-الحقيقة عرضت نادية عليّ فكرة بناء بيت، وأن تقوم أنت بذلك.

-أنا جاهز

-اشترينا قطعة أرض بسعر مناسب في ضاحية مكة ونريد بناء بيت يليق بي كطبيب

قال جابر:

-أنا موافق، ولكن متى؟

قال طلال وقد أبدى شيئاً من التردد:

-لكن ما بقي من مال لا يتعدى الألفي دينار وما يتبقى من تكاليف أدفعه لك على أقساط شهرية، لا تجاملني إن كنت تستطيع تلبية طلبي، وإن كنت لا تستطيع لا تخجل.

قال جابر بأدب جم:

-لك ما تريد، سأبني لك فيلا، مثل الفيلا التي بنيتها لصديقي عمر، وسأريك إياها، فإن أعجبتك وابتسم إنها ستعجبك سأقوم بالعمل ريثما أتم المشروع الذي أعمل به.

قال طلال أسعد:

-إن نادية عندما أخبرها بذلك ستطير من الفرح

قال جابر:

-غداً في الساعة الخامسة مساء تمر عليّ لتريني قطعة الأرض التي سنقيم عليها الفيلا

-حسناً

ثم قام وهو يقول:

-غداً في الخامسة مساء وربما تأتي معي نادية لأن لها شوقاً لترى قطعة الأرض ولها رأي في تصميم البناء

خرج الطبيب طلال، وترك جابر مع فكره، إذن غداً سنرى نادية التي حفرت على جدران قلبه الشوق، وقال في نفسه:

-وما ذنب زوجتي بهذا الحب، إني أُحبها وقد أعطتني الحب والتقدير، ولم تدخر جهداً في بث السعادة والسرور والرضا في نفسي وهي أم ولدي... ولكن هذا الطارئ المفاجئ الذي تمكن مني، رغماً عني، آه لو أستطيع نسيانه.


في تلك اللحظة تخيل أن المهندس عبدالفتاح ينظر إليه ساخراً وكأنه يقول له " يا أيها الرجل المعلم غيره هل ادخرت لنفسك التعليم".

أجل يا عبدالفتاح كنت أُرشدك وأنصحك بالابتعاد عن النساء يا إلهي إنني اقترب من دائرة اللهب.

لكن وجه نادية الجميل يترأى له ويحاول أن يطرد طيفها ولكنه يحاصره.

فقال يحدث نفسه: سأحاول أن ابتعد عنها، ولماذا سأحاول بل عليّ أن أتجنب رؤيتها.

كلام الليل يمحوه النهار... فما أن رأى نادية تدخل مكتبه حتى هوى شيء في داخله.

فقالت:

-مساء الخير

هبّ جابر واقفاً مرحباً وهو يقول بلطف:

-أهلاً وسهلاً ... تفضلي

-ألم يأت طلال بعد قال جابر بأدب جم

-لا لم يأتِ

قالت وهي ترفع خصلات الشعر عن عينها اليسرى:

-لقت تلفن إليّ يخبرني أن ألتقيه عندك الساعة الخامسة

ثم نظرت إلى ساعتها وأردفت قائلة:

-الآن الساعة الخامسة والنصف

قال وهو يخرج الموبايل من جيبه:

-سأتصل به

قالت نادية بسرعة:

-أكيد جاءه مرضى

اتصل جابر بالطبيب وسمع على الطرف الآخر صوت جابر:

- أهلاً جابر.... عندك حرمنا المصون

- إنها بانتظارك

- نصف ساعة أكون عندك، عندي مريض

- نحن بالانتظار

قالت نادية بحنان:

- كيف أحوالك؟

-عال والحمد لله

-لقد اشتقت لك كثيراً

نظر في عينيها فغاب في عمقهما وهو يقول:

-أنت مجنونة

قالت وهي تحدق في عينه:

-حقاً أنني مجنونة بك!

قال بشرود:

-لقد قلبت كياني،  وجهك الجميل يحاصرني في كل مكان

قالت بهمس:

-إننا يصدق علينا قول شاعر نسيت اسمه يقول:

قلت يا محبوب أضناني العنا قال الحال كما أنت أنا

مرت فترة صمت بينما كان جابر يرتب اوراقاً كانت أمامه ويضعها في مغلف ثم دفعها في درج مكتبه. في تلك الأثناء كان طلال يدخل إلى المكتب:

-السلام عليكم

-وعليكم السلام... أين أنت يا رجل

قال الطبيب معتذراً:

-كنت أهم بالخروج فإذا شباب يرافقون أباهم الذي يصيح من شدة ألم أضراسه وقد قمت بخلع ضرس له حتى عاد إليه الهدوء

قال جابر:

-الله يعطيك العافية

جلس الطبيب ثم أخرج من جيبه مبلغ الألفي دينار وهويقول لجابر:

-تفضل الحيلة والفتيلة

وإذا بنادية زوجته تخرج مضروفاً من حقيبتها وتقول لجابر:

-وهذا مصاغ خذه وتصرف به أو اجعله رهنا عندك

هب جابر واقفاً كمن لسعته أفعى وقال:

-أرجعي مصاغك يا امرأة إلى حقيبتك

قال طلال أسعد:

- لقد اتفقنا أن نعطيك المصاغ لأننا نعرف البناء يكلف كثيراً، وأخبرتها أنني بعد الانتهاء من البناء سأشتري لها ضعفه.

قال جابر وقد هدأ روعه:

-توكل على الله، نحن على ما اتفقنا عليه، تعطيني في نهاية كل شهر مبلغا من المال وكل شيء الذي ينقص بخلص.

يتبع........



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الريح العقيم رواية (الفصل الاول)

التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي

قراءة لرواية انفاس الخزامى