الريح العقيم (الجزء الحادي والعشرون )




                                 الريح العقيم 

                                         رواية

                            محمد حمودة زلوم 

                            الجزء الحادي والعشرون 


 استأذنت ميرفت وغادرت المكتب.

بينما كان جابر في نشوة كبيرة، قال في نفسه:

-نادية جميلة ورائعة، وميرفت لا أقول أنها أجمل ولكن لكل واحدة جمالاً آخاذ لأجرب رحلة الحب مع ميرفت.

******

التقى جابر بالمهندس (عبدالفتاح) في المشروع وسأله:

-كيف تسير الأمور في المشروع؟

-كما خططنا له

-والمشروع الثاني؟

قال المهندس عبدالفتاح:

-المشروع الثاني يسير على أكمل وجه والمهندس فارس يبدي عن ارتياحه بالعمل معنا ويتودد إلي كثيراً.

قال جابر بعد فترة صمت:

-اسمع أريدك أن تستدرجه، أظهر له الود ثم حدثه بأسلوب عن الظلم الواقع عليك، اتبا ما تراه مناسباً للارتفاع به

-حسناً كما تريد يا معلم

-متى سنبدأ العمل في فيلا السيد خيري؟

-فور انتهائنا من المشروع

-حسناً أريد همتك

-بعد شهر تقريباً... وأنت سيد العارفين

-حسناً.... حسناً 

ثم أردف قائلاً:

-أنت تعرف أن مخططات السيد خيري هي نفس مخططات فيلا الدكتور طلال أسعد

-ما رأيك لو أرسلت الجرافة والهوك لحفر الأساسات حتى نشعرهم إننا جادون في العمل

-رأي صائب، غداً نبدأ كما تريد

-عال العال

-هكذا نكون في التمام ثم ناوله المخططات

اتصلت ميرفت بجابر كان النهار قد انتصف:

-مساء الخير

-أهلاً ميرفت

-اسمع، سأكون بانتظارك عند الإشارات الضوئية عند جسر الزرقاء، أول الشارع المؤدي للجبل الأبيض في الساعة الخامسة بالضبط اتفقنا

كان جابر في المكتب سارحاً شارداً بأفكاره، فقد سكنت ميرفت في قلبه، ونمت على جدران قلبه كقرنفلة جميلة تفيض عطراً نظر إلى الساعة كانت تشير إلى الثانية، تتأفف قائلاً في نفسه:

-لماذا عقارب الساعة لا تسير، إن سيرها بطيء أبطأ من سلحفاة هرمة، الانتظار قاتل، يولد السأم والملل والعصبية.

اتصل بزوجته ليخبرها لعدم استطاعته المجيء:

-مساء الخير

-مساء النور

-تستطيعين تناول الغداء مع كمال، لأنني سأذهب إلى المشاريع وسآكل مع العمال هناك.

-كما تريد

ألقى جابر برأسه على الكنبة ومد رجليه، وراح في إغفاءه،، فصحى من النوم على صوت صديقه القديم أبي رامي. 

قال أبو رامي يعتذر لأنه أزعجه:

-آسف يا صديقي

قال جابر وهو ينظر إلى ساعته فوجدها تشير إلى الرابعة والنصف وقال يخاطب أبو رامي:

-أهلاً أبو رامي

-كنت ماراً من هنا، فقلت أرى صديق الصبا والشباب 

-حياك الله

-أتدري من رأيت أول أمس؟

-مَن؟

-إبراهيم يحيى

-إبراهيم يحيى أبو النكت الحلوة

-أبو النكات العذبة، وقد جلسنا على جانب الطريق وتحدثنا طويلاً، وسألني عنك وحملني السلام لك

-الله يسلمك ويسلمه

-وما هي آخر نكتة؟

ضحك أبو رامي ضحكة مدوية قال جابر:

-شاركنا في الضحك

-اسمع: رجل كان في العمل رفع التلفون، واتصل بزوجته مزمجراً، غاضباً وهو يقول اسمعي يا زوجتي، أريد أن يكون الماء ساخناً عندما آتي للبيت فاهمة، فقال له أحد رفاقه في العمل، أقسم إنك رجل بمعنى الكلمة، رد الرجل باستغراب وهل تريدني أن أقوم بتنظيف أواني الطبخ بماء بارد.

غَرق جابر بالضحك، قال أبو رامي:

-هناك نكتة أروع

-هاتها

-قال رجل: أنا رجل عنيد مع زوجتي تقول لي اغسل الملابس فأرفض وأقوم بتنظيف البيت، تقول رتب الملابس فأذهب وأعد الطعام. 

ضحك الاثنان ضحكات طويلة، ثم نظر جابر إلى ساعته فوجدها تشير إلى الخامسة إلا عشر دقائق فقال لأبو رامي:

-اعتذر منك عندي ميعاد مع عميل

-توكل على الله... فأنا على موعد من طبيب العيون

-طيب

-أراك إذن،  لا تنسى أن تمر عليّ كلما سنحت لك الفرصة

-إن شاء الله، أنا خلال هذا الشهر عندي مراجعة عند طبيب العيون، وإن شاء الله كلما سنحت لي الفرصة أمر عليك

ركب جابر سيارته حتى وصل جسر الزرقاء، كانت نظراته تبحث عن ميرفت، فلمحها تسير ببطء، أوقف السيارة قربها، فنزلت عن الرصيف، وجلست إلى جواره:

-كيف الحال؟

نظر بمرآة السيارة فتعلقت عيناه بعينيها فقالت:

-لا نريد أن نطيل الوقت، معنا ساعة

-كما تشائين

قالت بدلع زائد:

-آه ما أقساك... لم أنم البارحة وأنا أفكر بك

-يا حبيبتي

قال جابر:

-ما رأيك لو ذهبنا إلى أحراش جرش؟

قالت بقلق:

-أخشى أن يكون هناك ناس

-نجلس في مكان لا يرانا الناس فيه

-كما تشاء

انطلقت السيارة محولة اتجاهها إلى طريق ياجوز أخذ جابر يغني أغنية لعبدالحليم حافظ بحياتك يا ولدي امرأة عيناها سبحان المعبود.

كان يغني بصوته الرخيم معكراً على عبدالحليم، كانت ميرفت تسمع له بشغف، ويضيء وجهها ابتسامة رائعة وجابر يغني طرباً منتشيا.

فمها مرسوم كالعنقود

والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا

-أزعجتك

-لا، إن صوتك عذب ورائع

قال جابر وهو ينظر إلى عينيها العذبتين:

-أتحبين الغناء

قالت:

-احبك أنت

قال:

-الحب جدول خمر من تذوقه خاض الجحيم ولم يشفق من الحرق

قال وهي تبتسم:

-ها نحن نحترق بجوى الحب

مد يده وامسك يدها، وأخذ يضغط عليها برفق، فيما هي لم تحرك ساكناً، مر عن أحراش ياجوز ولكنه لم يدخل إليها وتابع السير باتجاه الجبيهة، كانا في حالة عشق.

بدأ النهار يجمع حوائجه، ليرحل، الشمس تختفي رويداً رويداً خلف الجبال وبدأ الظلام يفرد عباءته فقالت:

-نرجع

-كما تشائين... أسعيدة أنتِ

-أنا معك أشعر بالسعادة تغمرني وتملأ نفسي بالفرح

-الحياة جميلة، وأجمل شيء فيها حبيبان مخلصان يفرد الأمان والإطمئنان جناحيهما عليهما

وقالت مؤكدة:

-أنا معك، أشعر أنني ملكت الدنيا لكني أشعر بسحابة حزن تقترب مني

قال وقد أرقه قولها:

-لم يا حبيبتي

-لأننا سنفترق

قال برقة:

-إننا لا نفترق، فإن طيفك لا يغادرني، فأنتِ ماثلة أمام ناظري، إنك تملئين حياتي

قالت ساهمة:

-يا حياتي

ضغط على يدها الصغيرة بحنان وقال:

-إن أجمل ما في الحياة، امرأة جميلة صادقة في حبها

-الحب كلمة جميلة، عذبة، لم أعرف لذتها إلا عندما عرفتك

اقتربت السيارة من المكان الذي تنزل السيارة، بعيد عن بيتها فقال جابر:

-مع السلامة

نزلت بسرعة وسارت باتجاه بيتها، أما جابر فانطلقت به السيارة مسرعة وهو يغني بحياتك يا ولدي

امرأة عيناها سبحان المعبود

يتبع ......

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الريح العقيم رواية (الفصل الاول)

التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي

قراءة لرواية انفاس الخزامى