الريح العقيم (الجزء الثاني والعشرون)

                             الريح العقيم 

                                        رواية 

                          محمد حمودة زلوم 

                         الجزء الثاني والعشرون

الغيرة سكنت في قلب نادية، فكل الشواهد تؤكد أن جابر يعمد إلى تجاهلها ولكن لماذا...!!

لابد أن ميرفت على علاقة أكيدة مع جابر، اتصل بها فلا ترد، اتصل بجابر فيرد بكلمات مجاملة، جافة، ويتهرب بكثرة مشاغله، رغم كلمات جابر الرقيقة معها إلا أن شكها كان ينمو شوكاً بخاصرتها حتى أدماها، ماذا أفعل حتى أتأكد من حبه، وصدقه، لهذا قررت أن تذهب إلى مكتبة وتفاجئه بمجيئها... عندها تعرف مدى انشغاله ومن ثم مدى صدقه.

وآه لو رأت منه صدوداً، وألف آه لو أنها رأته يتجاهلها بسبب ميرفت الصديقة العدوة، وترجع وتقول :

-انا التي فعلت ذلك بيدي، وأنا التي عرفتها بجابر بيدي

-ما أغباني... ما أغباني

الشك، آه كم أخشاه كالشوك يُدمي، يحول حياة المرء إلى جحيم، والشك مثل الشوك يدمي النفس ويشعل فيها ناراً لا تخمد، حتى يحول كل شيء في حالة المرء إلى رماد.

اشتعلت براكين الشك في نفسها المعذبة، وصممت على الوقوف على حقيقة شعور جابر نحوها.

جابر الذي أحبته حباً جارفاً، وبادلته الحب، وعاشا أسعد اللحظات في حب يعبق بالهناء والأشواق.

-ما الذي غيره، لابد أن حباً جديداً سرقه مني ولكن من هي؟ من هي؟

تزينت، فكانت في قمة الأناقة، وسارت إلى مكتب جابر لتراه وتقف على حقيقة مشاعره نحوها.

جابر في المكتب وأمامه أوراق يراجعها باهتمام ولا يدري ما يجري حوله، حينما دخلت نادية وهي تقوم:

-احم احم

رفع رأسه، وهب واقفاً عندما رأى نادية، فأحس بشيء يهوي في داخله

-أهلاً أهلاً بأعز الحبايب

-أكيد؟

-وهل تشكين في ذلك

قالت بعتاب:

-إذن لماذا هذا الصمت ولا حس ولا خبر 

-أعرف أنني ظلمتك، وظلمت نفسي، ولكن الأعمال، ملعون أبو الأعمال لقد سرقت منا زهو حياتنا سرقت أحلامنا الجميلة

أحست نادية أن جابراً صادق في حديثه وإنه لم ينسها، والدليل على ذلك فرحته حينما رآها... ومن كلامه الذي يفيض عسلاً ويضرب على أوتار قلبها الذي هدأت ثورته فقالت:

-سامحني لقد ظلمتك

قال جابر:

-اتعرفين أن اليوم الذي لا آراكِ فيه لا أعده من أيام عمري

قالت:

-متى آراك؟

-يا لك من رائعة، نذهب إلى المزرعة فلا أحد فيها إن أردت

-إني مشتاقة إليك، اشتياقاً كبيراً، في جعبتي كلام كثير أحب أن أقوله

-إذن اسبقيني ، وقفي في المكان المعهود لآتيك بعد ربع ساعة

-إلى اللقاء

ركب سيارته ، واتجه بسيارته باتجاه معاكس حتى يبعد الشك عن عيون جيرانه

كانت نادية تقف بانتظار جابر الذي توقف، وإندست داخل السيارة

قال جابر:

-ما أجمل اللقاء بعد غياب طويل

-لقد كنت أجن، وفعلاً صرت مجنونة، أحرقني الشوق وذوبني

قال جابر:

-صدقيني إنك لم تغيبي عن خيالي لحظة وأرى وجهك الجميل يشرق أيام ناظري

آه ما أروعكِ لقد انتشلتيني من براثين العمل

وصلا المزرعة، فتوجها من فورهما إلى البيت الريفي. خلعت إشارها وفردت شعرها على كتفها كشلال، فلما رأها قال:

-والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا

وتعانقا كان عناقاً طويلاً فضمها إلى صدره الملتهب، وتلامس شفاه أربع مجنونة. ثم انتقل إلى عنقها ووجهها، وعينيها. فقالت بدلال:

-لا تبسني في عيني بوسة العيون تفرق

وقضيا ليلة من أحلى ليالي العمر

في طريق العودة إلى البيت قال لها:

-إن صاحبتك تريد بناء بيتها

-إنني أعرف، فهي تغار مني

-لقد بدأنا بحفر الأساسات

قالت نادية لترى حقيقة مشاعره نحو صديقتها فقالت:

-وهل تراها؟!

قال بهدوء مصطنع:

-منذ أن جئت معها لم أرها وزوجها خيري فقط يأتي لوحده ليرى إلى أين وصل العمل.

قالت لترى نظرته إلى صديقتها بمكر:

-ما رأيك فيها؟!

-لا رأي عندي. مجرد امرأة عادية، وأنا لا يستهويني هذا النوع من النساء ومن ثم إن زوجها رجل متشدد.

قالت نادية:

-إنها صديقتي ،أعرفها منطوية على نفسها وغيورة

في تلك الأثناء كانت السيارة تشق طريقها إلى مقربة من بيتها. نزلت من السيارة وهي تقول:

-مع السلامة

يتبع .......

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الريح العقيم رواية (الفصل الاول)

التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي

قراءة لرواية انفاس الخزامى