الريح العقيم (الجزء الثامن والعشرون )
الريح العقيم
رواية
محمد حمودة زلوم
الجزء الثامن والعشرون
سقطت ورقة التوت، وظهرت عورات كثيرين من أصحاب البورصات وتبين أن أكثرهم محتالون يعرفون كيف يوقعون الناس في الشرك، وتبين لجابر أنه وقع فريسة لهؤلاء الذئاب الشرسة، وصار في صراع عنيد مع نفسه.
ليتني لم أرهن المزرعة، ليتني سمعت قول زوجتي عندما رجتني وتتوسل "لا ترهن المزرعة" يكفي ما أودعت، لقد كانت زوجتي حكيمة عندما رفضت بيع مصاغها، وكنت أحمق عندما خاصمتها لأنها رفضت بيع مصاغها قائلة:
-أنت حر فيما تملك وأنا لست مستعدة أن أغامر بمصاغي ، إن قلبي غير مستريح من البورصات.
عصفت الخلافات بينهما لأنها لم تطاوعه وصارت علاقتهما جافة.
-يا امرأة مصاغك يصبح أكثر!!
قالت بتؤوده ورفق:
-يا زوجي الحبيب عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة
-والله أريد صالحك
-أنا راضية بما معي، أرجوك لا تحدثني في هذا الأمر أبدًا
-يلعن البورصة ويومها
قال مرغماً:
-على خاطرك
وخرج من البيت غاضباً أسِفاً من زوجته ذات التفكير الضيق.
وقال يحدث نفسه:
-غبية غبية
قال بمرارة ويأس :
-ليتني سمعت كلامها، المزرعة سيحجز عليها البنك، والبيت سأحاول فك رهنه مهما كلف الثمن، والمعدات ستباع في المزاد القلابات والسيارات وسيارات الباطون وصهاريج الماء والحفارات وكل شى، ومعنى ذلك أنها ستباع بثمن بخس.
أحس بالندم، وانتابته موجة حزن، ولفه اليأس بردائه القاتم، وانهالت دموعه، ولما حاول أن يقف لم يستطع الحركة فبقي في المقعد كومة من يأس وضعف.
عيناه تحملقان في اللاشيء، وعندما رآه أخوه صدقي الذي سرعان ما اتصل بالدكتور، فاخبره عن حالة أخيه جابر.
قال باهتمام:
-سأكون عنده في الحال
كلمه الطبيب فلم يجد رداً، شفتاه كانتا تهتزان، وعيناه تنظران إلى اللاشيء
كشف الطبيب عن صدره، فحص دقات القلب والرئتين ثم قال لأخيه:
-يجب أخذه إلى المستشفى
بعد الفحص والتحاليل في المستشفى. قال الطبيب:
-جلطة في الرأس سببت الشلل.
دخل جابر في مركز العناية الحثيثة مدة أسبوع.
خرج جابر من المستشفى، وعادت إليه صحته باستثناء ضعف كان في قدمه اليسرى، وطمأنه الطبيب وقال:
-الحمد لله، كثيرون يُصيبهم الشلل، ولا يستطيعون حراكا.... أما أنت فكانت خفيفة، وأنا متأكد انه مع الدواء وبعض المساجات والأشعة ستكون على ما يرام.
لم يُجب جابر بأي كلمة، فالحزن يسكن قلبه، وشعوره في اليأس تملكه.
قال الطبيب ناصحاً:
-عليك يا أخ جابر بالصبر، وأن تحاول أن تخرج وتتحرك وليكن إيمانك بالله كبير.
هز جابر رأسه موافقاً.
بقي جابر في البيت، كانت زوجته حريصة، تخفف عنه، تقدم له الدواء، وتعمل المساج لساقه اليسرى وتشجعه على المشي. قالت له بفرح ذات يوم:
-الحمد لله ها أنت تتحسن يوماً بعد يوم
كان ينظر إليها بعينين شاكرتيين، فتربت على كتفه فيأسره حنانها ورقتها.
عندما سمع آبو نجيب وشركاؤه ما آل إليه جابر متشفياً:
-اصبر على ابن الحرام يقع لوحده
قال شريكه الدرعي:
-لقد كان سقوطه مريعاً
قال آبو نجيب:
-الله لا يرده، عقدنا ابن الحرام
-لقد أصبح لا يملك شروى نقير، كل ما يمتلكه راح وأدراج الرياح
قال الدرعي:
-والله إنني حزين عليه، ارحموا عزيز قوم ذل
رد أبو نجيب:
-لقد خلصنا الله من منافس كبير، هذا حال من يقف في طريق أبي نجيب
تعليقات
إرسال تعليق