الريح العقيم (الجزء الحادي عشر)
الريح العقيم
رواية
محمد حمودة زلوم
الجزء الحادي عشر
قال المقاول أبو نجيب لشريكه أبو محمود الدرعي وهما يتناولان الشاي في مكتب شركة المقاولات المتحدة:
-ها ماذا فعلت لنا مع عفيف المسلم؟
-لقد اتصلت به، وأخبرته أني أريد زيارته الساعة السابعة
حسناً، سنرى شطارتك
قال أبو محمود بثقة كبيرة:
-سيكون لك ما تريد
-سنرى
عاد أبو محمود الدرعي إلى بيته ولما استقبلته زوجته قالت له:
-لماذا لم تقل لي، إنك اتفقت مع جارنا عفيف المسلم على زيارتهم؟!
-لقد نسيت، ولكن مَن أخبرك بذلك؟!
قالت:
-اتصلت بي زوجة عفيف ورحبت بالزيارة.
أعدت الطعام لزوجها، الذي أقبل على الطعام بنهم شديد قال لها وهو يبتلع اللقمة:
-استعجلي وألبسي ثيابك فـإن الوقت يمر بسرعة
عفيف المسلم كان يجلس في الشرفة ساهماً مفكراً في الزيارة المفاجأة للدرعي. لابد أن وراء الزيارة ما وراءها. فهو يعرف أنني أعمل عند جابر، وأعرف أنا إن أبا نجيب ومن معه من أشد المنافسين لجابر، إذن هناك سر يكمن في هذه الزيارة لكن عليّ أن أكون حذراً.
رحب عفيف المسلم بجاره أبي محمود وزوجته السيدة بهيرة:
-أهلاً وسهلاً
-أهلاً بك
نادى عفيف على زوجته:
-يا أم عدنان استقبلي ضيفتك، وأشار على السيدة بهيرة تفضلي
رحبت زوجة عفيف الضيفة:
-أهلاً وسهلاً زارنا السعد
-مساء الخير
دار الحديث بين المرأتين في أمور شتى.
قال عفيف مخاطباً محمود الدرعي:
-أهلاً وسهلاً حلت علينا البركة
-الله يبارك فيك
قال الدرعي:
-بلا مقدمات ولا مجاملات
ثم توقف في الحديث، فأحس عفيف أن ما خمنه في أمر الزيارة هو لأمر خطير، لكنه تابع لاستدراج الرجل بالحديث، ليكشف أوراقه فقال يخاطبه:
-أكمل حديثك
-يا سيدي قلت لك أريد أن أتحدث معك بلا مقدمات مملة، فأنا رجل واضح، لا لف عندي ولا دوران
-الصراحة خير طريق للوصول إلى ما نريد
-أكيد، ولهذا جئتك طالباً منك مساعدتي ، إن كنت أقدر فلك ما تريد
-أنت تعرف أن معلمك جابر يحاصرنا في المناقصات
قال عفيف:
-المعلم جابر يضع أسعاره بعد دراسة مستفيقة، ويحاول أن تكون أرباحه معقولة، لماذا لا تضعون أرباحكم بشكل معقول؟
قال الدرعي بحدة:
-أنا متأكد أن له رجالاً في الوزارة يطلعونه على أسرار المناقصات المقدمة
فقال عفيف بثقة:
-إن جابر لا يعرف الطرق الملتوية، على فكرة إن جابر طلب منا أن نؤخر تقديم المناقصات لآخر يوم.
-يا سيدي لو سلمنا جدلاً بما تقول، إذن لماذا ترسو عليه العطاءات؟
يتدخل عفيف قائلاً:
-كثير من العطاءات لا ترسو علينا
قال الدرعي:
-وما يرسوا بعضها علينا
قال عفيف:
-الطمع في الربح ضر وما نفع، كونوا واقعيين في تقديراتكم تتغير الأمور
-اسمع سأقول لك بصراحة نريد منك أن تتعاون معنا
-كيف أتعامل معكم وأنا أعمل مع جابر؟
-يا أخي أعرف هذا، نريد منك فقط أن تطلعنا عل المناقصات التي يبرمها ويتقدم بها، ونحن نعلم أن من يقوم بوضع الدراسات أنت، أنت وحدك وإن جابر يثق بك ثقة كبيرة
-الحمد لله على ذلك
-ماذا تقول؟
-يعني تريدون مني أن أبيع ذمتي مقابل مبلغ تافه
-ليس مبلغاً تافهاً... كل معاملة تأخذ عليها ألف دينار أهلك بحاجة لها وتحسن وضعك، وتؤمن مستقبلك.
-بالحرام؟!!!
-يا رجل لا تكن حنبلياً إنها فرصة العمر، وإذا هبت رياحك فاغتنمها.
هزّ عفيف رأسه فهب واقفاً كمن لسعته عقرب وصاح بالرجل:
-اسمع، والله لو دفعتم لي ثقلي ذهباً فلن أبيع معلمي، لست من الذين يرمون الحجارة في البئر التي يشرب منه
قال الدرعي محذراً:
-والله لتندم
-سأظل نادماً طيلة حياتي لو قبلت بعرضكم
في تلك اللحظة نادى الدرعي زوجته:
-يا أم محمود هيا
قال عفيف ليهدئ روعه:
-اجلس لنشرب القهوة
صاح الرجل بغضب:
-علي الطلاق لن أشرب قهوتك، كيف أشربها وأنت ترفض طلبي؟
خرج الدرعي ينتظر زوجته .
هاتف جابر الدكتور طلال يطلب منه المجيء مع زوجته نادية للذهاب إلى معرض الأثاث. قال الدكتور ملبياً:
-نحن جاهزون وسنكون عندك مسافة الطريق
بعد عشرة دقائق كان الدكتور قد أوقف سيارته أمام المكتب، نزلت نادية من المقعد الأمامي لتجلس في المقعد الخلفي، فحياهما جابر.
قال جابر للدكتور:
-امشي باتجاه وادي الحجر، ففي نهايته معرض أثاث النخبة.
انطلقت السيارة بسرعة فقال له جابر:
-على اليمين من فضلك
دخل الثلاثة المعرض، فلما رآهما صاحب المعرض هب واقفاً مرحباً:
-أهلاً وسهلاً
قال جابر:
-أهلاً بك نريد تأثيث منزل، ونريد منك أن تطلعنا على الفاخر الجيد
-أكيد
-المعرض وصاحبه تحت أمرك
قال جابر:
-نريد غرفة نوم، وطقم سفرة، كنبايات، سرير للطفل، خزانة للطفل، وكوميدنا
في تلك الأثناء كانت نادية تتفحص الأثاث المعروض ثم اقبلت على زوجها وجابر وصاحب المعرض قائلة:
-رأي اثنين خير من رأي واحد
قال جابر:
-أنتِ سيدة البيت فاختاري ما تريدينه مناسباً وما يعجبك
-ولكن أحب أن تشاركوني في الاختيار
قال جابر:
-هيا يا دكتور
تم اختيار الأثاث، وكتب صاحب المعرض فاتورة وكان مجموعها حوالي سبعة آلاف وخمسمائة دينار.
قال جابر لصاحب المعرض:
-الفاتورة عندي
قال صاحب المعرض
-كما تريد
ثم استدرك قائلاً:
-غداً في العاشرة صباحاً يكون الأثاث كله في البيت
قال جابر:
-أرجو أن توصي العمال بالحذر وأن يركبوا الخزائن وغرفة النوم بحذر أيضاً
قال صاحب المعرض:
-من دون توصية، سيكون راضياً
قال الطبيب يخاطب جابر بخجل واضح:
-أضفتهم إلى الحساب؟
قال جابر:
-صاحب المعرض بنيت له فيلا في الزرقاء الجديدة، دفع مبلغاً من المال والباقي يدفعه وفق كمبيالات... المبلغ أخصمه من الكمبيالات المتبقية عليه.
قالت نادية متدخلة:
-غداً أنزل إلى سوق الذهب وأبيع قسماً من مصاغي لدفع المبلغ
قال جابر بهدوء:
-لا تفعلي ذلك، يقوم الدكتور بدفع المبلغ بالتقسيط المريح
قال الدكتور ضاحكاً:
-إن كان دين خذ رطلين، الله يقدرنا على معروفك ويقدرنا على السداد،
ضحك الجميع وغادروا المعرض.
******
عندما رجع جابر إلى المكتب، كانت سهير منهمكة في طباعة الأوراق التي طلب منها جابر طباعتها، قال لها:
-كيف العمل؟
-على ما يرام
وناولته بعض الأوراق وتابعت الحديث:
-انظر... وأعطني رأيك لأقوم بالتعديل إذا لزم الأمر
راجع جابر الأوراق فوجد بعض الأوراق غير صحيحة في بعض الخانات. فقال وهو يُريها موقع الخطأ
-انظري ... الأرقام غير موجودة في الخانة الثالثة
نظرت حيث أشار فقالت:
-يا الله ما أغباني... الآن انتبهت
وقد اعتراها الحياء، فبدت كوردة تتفتح فقال لها:
-انتبهي... عملنا يحتاج إلى دقة
قالت وهو ينظر إليها بترقب:
-سأضيف الأرقام
لأول مرة التقت عيناهما، حدّق في عينيها الخضراوين لعله يدخل إلى أعماقها، ولكنه تصنع الوقار وقال:
-أنهي عملك لأننا سنغلق المكتب بعد قليل
يتبع .......
تعليقات
إرسال تعليق