الريح العقيم (الجزء الثالث عشر)


                       

                             الريح العقيم 

                                    رواية 

                        محمد حمودة زلوم 

                     الجزء الثالث عشر 

 قال عفيف عندما التقى جابر بأسى:

-لقد رست المناقصة على شركة أبي نجيب

قال جابر بلا اكتراث وهو يرتب بعض الأوراق التي كانت أمامه:

 -خيرها بغيرها

ثم أردف ليظهر عدم اكتراثه :

-إن عندنا عمل كثير

قال عفيف:

-أخشى أن يكون أبو نجيب وشركاؤه قد لعبوا لعبتهم

-لعبوا لعبتهم أم لم يلعبوا لا يهمني، فأنا على يقين بأن الأرزاق من الله

قال عفيف مؤمناً على قول جابر:

-سبحان الله

أردف جابر قائلاً:

-عندنا عمل كثير نريد الهمة في إنجازه حتى نبيض وجوهنا أمام العملاء

قال عفيف موافقاً:

-إن شاء الله سيكون كل شيء على ما يرام في الوقت المعني

ثم استأذن عفيف من جابر قائلاً:

-استأذنك بالمغادرة إلى البيت

-السلام عليكم

كانت سهير تجلس في غرفة الكمبيوتر، تطبع وتقص الأوراق، وعندما رأت جابر يقف وهو يقول:

-ألم تنتهي بعد من الطباعة

قالت:

-لم يبق سوى الصفحة الأخيرة من التقرير

قال جابر:

-اطبعيه والله يعطيك العافية

كانت تتحدث معه بينما كانت أصابعها الرقيقة تداعب الحروف بسرعة مدهشة فقال جابر مبدياً إعجابه بسرعتها في الطباعة فقال:

-ما شاء الله، إنك بارعة في الطباعة، ثم أضاف

-وبارعة الجمال

-شكراً

مد يده برفق واخذ يعبث بشعرها المنسدل الذي كان يتموج من هواء المروحة المنتصبة على مقربة منها، قال جابر:

-آسف

قالت بحياء:

-لا عليك

قال جابر هامساً:

-إن فيكِ سحر لا يقاوم، عيناكِ، وجهك، شعرك

ذابت حياء، وهو يتحدث فاكتسى وجهها بحمرة خفيفة، فزاد جمالها تألقا، فقالت بهمس:

-ما أعذب حديثك!

قال بهيام، بينما كانت أنفاسه تنبعث حارة تلفح وجهها:

-ما أجملك

ثم أردف:

-هل قال لك أحد إنك رائعة الجمال

قالت باعتداد:

-كثيرون ولكنني لم أسمعها بعذوبة إلا منك

قال وقد زاد وجيب قلبه:

-آه... كما أحبك

-حقاً

-أسألي قلبك يجيبك

دنا منها وأمسك بخصلة من شعرها كانت تغطي عينها اليسرى فقبلها وهو يهمس بحرارة:

-آه ما أروعك!!

قامت عن مقعدها وانتصبت تحدق فيه، لم يستطع مقاومة تألقها، فضمها إلى صدره وأخذ يقبلها بحرارة، فقبل شعرها وعينيها الخضراوين المغمضتين ثم تلاقت شفافهما أربع في قبلة طويلة ثم قال لها:

-آسف إن أزعجتك

قالت:

-لا تأسف فقد كنت سعيدة وكأنني في حلم

******

بعد أن غادرت سهير المكتب بقي جابر ساهماً شارداً، تزاحمت الأفكار في رأسه، شعر بالندم لما أقدم عليه، لماذا أفعل ذلك، فعندي امرأة رائعة الجمال، وديعة، لطيفة، تعمل بكل ما بوسعها لإرضائي، آه من نفسي الخوانة، آه من تصرفي الأحمق لماذا أكون ضعيفاً أمام النساء، وخاصة الجميلات، وسهير التي تحاصرني بجمالها وأنوثتها الصاخبة وعنفوانها، وتألقها ثم نادية الجميلة الساحرة....

فكلما حاولت أن أفلت من أسرهما، وأقرر وضع حد لما أنا فيه، أراني ضعيف، لا أستطيع مقاومة حبهما... أأكون مريضاً نفسياً؟! حتى أضرب بعرض الحائط القيم والفضيلة. الناس يحترمونني، ويثقون بي، فكيف لو عرفوا حقيقتي؟!

يجب علي أن أنهي عبثي، فما ذنب زوجتي وأحس بارتياح يغمره، وكأن كابوساً ثقيلاً انزاح عن نفسه.

لم يشعر أن الوقت سرقه، إلا عندما انطلقت الموسيقى من جواله، أفاق من ذهوله، ونظر إلى شاشة الموبايل فكانت زوجته على الطرف الآخر فتح نقاله:

-مساء الخير

كان صوت زوجته ينبئ عن قلقها:

-أين أنت يا رجل؟!

-في المكتب

-الساعة الواحدة ليلاً الآن، لقد قلقت عليك معلون أبو العمل

-مشوار الطريق وأكون في البيت

-بالسلامة

عندما دخل جابر البيت، وقف مذهولاً حينما رأى أضواء الزينة في غرفة الاستقبال فقال مشدوهاً:

-ما هذا؟

أقبلت زوجته والبسمة تشرق في وجهها وهي تلبس بدلة العرس:

-أنسيت؟

وقف واجماً صامتاً كصمت أبي الهول وهو يتمتم:

-نعم نسيت، عيد ميلاد كمال

-لا لا ... إنه يوم زواجنا

فاستدرك قائلاً متصنعاً:

-عقبال مائة عام

قالت:

-قلت أنه من المستحيل أن ينسى هذا اليوم، الذي لم شملنا 

قال موافقاً:

-يا قمري ويا حبي الجميل الخالد

قال وهو يحدق في عينيها العسليتين كأنه يراها لأول مرة

-ملعون أبو الشغل، لقد سرق منا جمال الأيام، وزهو الذكريات الجميلة

قالت:

-هذه هي الحياة، تعب ومشقة وراحة وهنا

قال:

-اعتذر منك، فقد كنت أريد أن أحضر لك هدية بهذه المناسبة ولكن الشغل –ملعون أبو الشغل-

رفعت يدها ووضعتها برفق على فمه وهي تقول:

-أنتِ أجمل هدية وأغلى هدية أعطاني اياها الله

قال وقد أحس بذنبه نحوها:

-أنتِ الأغلى يا حياتي

كانت ليلة من ليالي العمر، تألقت فيه زوجته بجمالها الهادئ وبحركاتها اللطيفة، أما جابر فكانت الغبطة قد ملأت نفسه فقال:

-كما أنا غبي

قالت محتجة:

-لا تقل ذلك، إنك أذكى الرجال

تابع يقول:

-أرجو أن تسامحيني، فقد سرقني العمل، وأبعدني عنك

-لا تقل ذلك، فأنت تشقى وتتعب من أجل من؟!

-يا أروع امرأة، أرجو أن تصفحي عني

-قلت لك دعك من هذ الكلام

-قولي سامحتك

قالت بمودة:

-أنت حياتي

قال بصدق:

-وأنتِ نور وجودي

كانت ليلة رائعة عاشها جابر، وقد أحس أن أوزاره قد زالت، فنام هادئاً هانياً.

يتبع .......


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الريح العقيم رواية (الفصل الاول)

التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي

قراءة لرواية انفاس الخزامى